الدعاء عبادة عظيمة ووِصالٌ بين العبدِ ومولاه عزّ وجلّ؛ وقد جاءت النّصوص الشرعيّة في الحثّ والحضّ على هذه العبادة؛ إذ هي من هديِ الأنبياءِ والمرسلين عليهم صلواتُ الله وسلامه، وهو من أجلّ القُربات والعبادات التي يتقرّب بها العبد المسلم إلى ربّه.[١]
أسلوبُ الأنبياء في الدّعاء
إنّ الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامُه، وهم أهل الله وصفوتُه من خلقه، تضرّعوا لله وتواضعوا له -سبحانه وتعالى- في كافّة أدعيتهم، وهذا ما نجده واضحاً في كلّ القرآن الكريم في قصصهم، فهم على علوّ قدرهم ومنزلتهم عند الله تعالى لا يمنّون عليه جهادهم وصبرهم وابتلاءَهم، بل تراهم يناودونَه عشياً وإبكاراً وسحراً وإدباراً يلهجون له بالدّعاء، فأبونا آدم -عليه السّلام- وزوجه حواء لما دعوَا ربّهما قالا عن ظلِمهما المُرتكب: (قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ)،[٢] وأعظمُ ما يميّز أدعيتهم هو الثناء عليه -سبحانه وتعالى- بما هو أهلُه وما يستحقّه من الإجلال والتعظيم والتسبيح الكثير، وهذا يُعلّمنا إيّاه سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- في أدعيتِه مع ربّه، ففي يوم القيامةِ عند الشفاعة العظمى، يثني على الله تعالى ويمدحه بأسمائِه وصفاتِه الحسنى قبل البدءِ بالدعاءِ.[٣]
أدعيةُ الأنبياءِ
جاءت أدعية الأنبياء في القرآن الكريم منثورةً في أكثرِ سورهِ، وهي سِرّ من الأسرار التي فيها من التّعبد لله تعالى والالتجاءِ إليه، ما لا يُدركُه العبدُ إلّا في الدّعاء بها والتأسي بأدعيتهم، وعلى رأسِهم نبيّنا مُحمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وإليك نماذج متعدّدة من أدعيتهم:[٤]
- نوح أبو البشر -عليه السلام- دعا الله، فقال -عزّ وجلّ- على لسانه: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ* فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ)،[٥]، وقال تعالى على لسانِه أيضاً: (رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا).[٦]
- إبراهيم أبو الأنبياء -عليه السّلام- دعا الله تعالى؛ فجاء في محكمِ التنزيلِ أدعيتَه العظيمة: (الحَمدُ لِلَّـهِ الَّذي وَهَبَ لي عَلَى الكِبَرِ إِسماعيلَ وَإِسحاقَ إِنَّ رَبّي لَسَميعُ الدُّعاءِ* رَبِّ اجعَلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءِ* رَبَّنَا اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنينَ يَومَ يَقومُ الحِسابُ)،[٧] وقالَ -عزّ وجلّ- على لسانِه ولسانِ ابنه إسماعيل عليهما السّلام؛ فقال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَليمُ* رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).[٨]
- موسى كليم الله عليه السّلام، دعا ربّه فقال تعالى: (قالَ رَبِّ اشرَح لي صَدري* وَيَسِّر لي أَمري* وَاحلُل عُقدَةً مِن لِساني* يَفقَهوا قَولي* وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي* هارونَ أَخِي* اشدُد بِهِ أَزري* وَأَشرِكهُ في أَمري).[٩]
- خير الخلق مُحمّد -صلّى الله عليه وسلّم- دعا ربّه ومولاهُ كثيراً، فقال تعالى على لسانِه: (وَقُل رَبِّ زِدني عِلمًا)،[١٠] وقال -عليه الصلاةُ والسّلام- أيضاً: (وَقُل رَبِّ أَدخِلني مُدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجني مُخرَجَ صِدقٍ وَاجعَل لي مِن لَدُنكَ سُلطانًا نَصيرًا).[١١]
- وأيوب الصابر -عليه السّلام- لمّا بلغ منه الكرب جهداً دعا فقال تعالى على لسانِه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين).[١٢]
- ويونس ذو النون عليه السلام، ألهج بالدعاءِ لله مكروباً فقال في بطنِ الحوتِ: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ).[١٣]
- وزكريا -عليه السّلام- دعا ربّه، فقال: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).[١٤]
وهناك الكثير من أدعيةِ الأنبياء التي لا يسع المقام لذكرها، وأعظمُ ما يُمثّل الدّعاء هو النبيّ محمّد خاتم الأنبياء -صلّى الله عليه وسلّم- فقد اشتملت السنة النبوية المطهرةُ بالكمّ الهائل من أحاديثِه المتضمنّة الدّعاء، مثل موقفُه صلّى الله عليه وسلّم في بدر عندما دعا دعاء المكروب، حتّى سقط رداؤُه عن منكبَيه، وقد أنجز الله تعالى له وعدَه ونصرَه على أعدائِه.
المراجع
- ↑ مراد قدسي (13-3-2018)، "أهمية الدعاء في حياة المسلم"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 31-8-2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:23
- ↑ محمد بن موسى الشريف، تسبيح ومناجاة والثناء على ملك الأرض والسماء، صفحة 21-22. بتصرّف.
- ↑ حسام عفانة، كتاب فتاوى د حسام عفانة، صفحة 46. بتصرّف.
- ↑ سورة القمر، آية:10-13
- ↑ سورة نوح، آية:28
- ↑ سورة إبراهيم، آية:38-41
- ↑ سورة البقرة، آية:127-129
- ↑ سورة طه، آية:25-32
- ↑ سورة طه، آية:114
- ↑ سورة الإسراء، آية:80
- ↑ سورة الأنبياء، آية:82-83
- ↑ سورة الأنبياء، آية:87-88
- ↑ سورة الأنبياء، آية:89-90